
أعلنت وزارة العدل السعودية عن إقرار تعديلات جوهرية على لائحة نظام التنفيذ في عام 1447 هـ، بما يعكس توجه الدولة نحو تعزيز العدالة الوقائية، وتطوير البيئة العدلية، وتحقيق التوازن بين أطراف التنفيذ. تأتي هذه التعديلات ضمن رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تحديث الأنظمة العدلية وجعلها أكثر كفاءة، وإنصافًا، وإنسانية.
أولًا: إلغاء بعض القيود الإدارية والاكتفاء بالمنع من السفر
في خطوة تهدف إلى الحد من الأثر السلبي للعقوبات غير المالية على المدين، نصّت التعديلات على إلغاء منع الجهات الحكومية والمصارف من التعامل مع المنفذ ضده، والاكتفاء بإجراء المنع من السفر فقط، وهو ما يُعد تطورًا في فلسفة التنفيذ نحو حماية كرامة الإنسان وعدم تعطيل مصالحه الأساسية.
ثانيًا: تمديد مهلة السداد بعد المزاد
من التعديلات اللافتة كذلك، تمديد مهلة سداد المبلغ بعد رسو المزاد إلى 30 يوم عمل. ويهدف هذا الإجراء إلى تمكين المدين أو المشتري من ترتيب أوضاعه المالية وتوفير المبلغ دون تعطيل إجراءات التنفيذ.
ثالثًا: تشديد العقوبات في قضايا الحضانة والرؤية
شددت اللائحة الجديدة الإجراءات ضد الممتنعين عن تنفيذ أحكام الحضانة والرؤية والزيارة، حيث فُتحت صلاحيات للقاضي لاتخاذ إجراءات عاجلة مثل المنع من السفر أو الحبس عند ثبوت الامتناع، وهو ما يحفظ حقوق الأطفال ويضمن تنفيذ الأحكام الأسرية بشكل فعّال.
رابعًا: ضبط الحبس التنفيذي بمراعاة الجوانب الإنسانية
نظّمت التعديلات ضوابط الحبس التنفيذي، حيث تم استثناء من تجاوز سن الـ60 عامًا ومن لديهم ظروف صحية أو أسرية حرجة. كما تم تقييد استخدام الحبس ليكون آخر الحلول، بما يوازن بين تنفيذ الأحكام وحماية الكرامة الإنسانية.
خامسًا: إلغاء إيقاف الخدمات الحكومية الإلكترونية
ألغت اللائحة إجراء إيقاف الخدمات الحكومية الإلكترونية عن المدين، وهو إجراء كان محل جدل واسع لسنوات، خاصة في ما يتعلق بآثاره السلبية على العمل والمعاملات اليومية، دون أن يكون له أثر مباشر على الوفاء بالدين.
سادسًا: تطوير إجراءات التنفيذ العقاري
أدخلت اللائحة تحسينات على إجراءات بيع المال المشترك والعقار، إذ تم تحديد صلاحيات الجهات المختصة وتقليص تدخل القاضي في التفاصيل الإدارية، ما من شأنه تسريع عمليات البيع وزيادة الشفافية والكفاءة.
سابعًا: تفعيل التنفيذ المباشر في حالات الامتناع
سمحت التعديلات للقضاة باتخاذ إجراءات تنفيذ مباشرة مثل الحبس أو المنع من السفر عند الامتناع عن تنفيذ الأوامر أو الحضور، مما يعزز هيبة الأحكام القضائية ويمنع المماطلة.
أثر التعديلات على البيئة العدلية والاستثمارية
تُعد هذه التعديلات قفزة نوعية في تطوير القضاء التنفيذي في المملكة، حيث تسهم في:
-
رفع كفاءة تنفيذ الأحكام وتقصير أمد النزاعات.
-
تحقيق بيئة جاذبة للاستثمار عبر إجراءات واضحة وسريعة التنفيذ.
-
تخفيف الأعباء على المحاكم، وتحقيق العدالة بأقل تكلفة ووقت.
-
حماية الفئات الضعيفة كالأطفال، والنساء، وكبار السن من خلال نصوص تنفيذية صريحة ومرنة.
تأتي تعديلات نظام التنفيذ الجديد 1447 هـ تأكيدًا على أن المملكة العربية السعودية تمضي قدمًا نحو عدالة أكثر نضجًا وإنسانية وفعالية. فهذه التعديلات لا تقتصر على تحسين الإجراءات فقط، بل تعكس نقلة نوعية في المفهوم القانوني للتنفيذ، القائم على الإنصاف، التوازن، والفعالية، مع مراعاة الحقوق الفردية والاعتبارات الاجتماعية.
التعليقات