
شهدت أسعار النفط العالمية تراجعًا حادًا تجاوز 20% بعد مرور 100 يوم فقط على تولي دونالد ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة في 20 يناير 2017. هذا الانخفاض المفاجئ جاء على عكس التوقعات التي صاحبت صعود ترامب إلى السلطة، والتي كانت تشير إلى دعم محتمل لأسواق الطاقة بفضل وعوده بتعزيز الاقتصاد الأمريكي ودعم صناعة النفط المحلية.
في هذا المقال، نستعرض بشكل مفصل العوامل التي ساهمت في هذا التراجع، ونسلط الضوء على تأثير السياسات الاقتصادية والإنتاجية الجديدة، بالإضافة إلى تداعيات هذه التحولات على الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
العوامل الأساسية وراء تراجع أسعار النفط:
1. طفرة الإنتاج الأمريكي
من أبرز آثار سياسات ترامب الطاقوية كانت الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري. فقد شجعت الإدارة الجديدة شركات النفط من خلال تخفيف القيود البيئية والتنظيمية، ومنح تصاريح للتنقيب في الأراضي الفيدرالية والمناطق البحرية. أدى ذلك إلى:
-
ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية.
-
زيادة المعروض في السوق العالمية.
-
منافسة أكبر مع نفط أوبك التقليدي.
2. ضعف الالتزام بتخفيضات أوبك
في نهاية 2016، كانت منظمة أوبك قد توصلت إلى اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج بالتعاون مع منتجين من خارج المنظمة كروسيا، بهدف رفع الأسعار. إلا أن:
-
ارتفاع الإنتاج الأمريكي أضعف فعالية هذا الاتفاق.
-
بعض الدول الأعضاء لم تلتزم بالكامل بحصصها.
-
السوق بدأ يشكك في جدوى هذه التخفيضات أمام المعروض الأمريكي المتزايد.
3. تحوّلات في الطلب العالمي
على الرغم من التفاؤل الأولي بسياسات ترامب الداعمة للنمو، إلا أن:
-
القلق من سياسات حمائية (مثل تهديدات الخروج من اتفاقات تجارية) ألقى بظلاله على توقعات الطلب العالمي.
-
الأسواق بدأت تشكك في قدرة ترامب على تمرير إصلاحاته الاقتصادية الكبرى في الكونغرس، مما زاد من الشكوك حول نمو اقتصادي عالمي قوي.
4. المضاربات في أسواق المال
أسواق العقود الآجلة لعبت أيضًا دورًا في هذا التراجع، إذ:
-
بدأت صناديق التحوط والمستثمرون في تقليص رهاناتهم على صعود أسعار النفط.
-
ارتفاع المخزونات في الولايات المتحدة زاد من الضغوط النفسية على السوق، مما حفّز موجة بيع.
تأثير تراجع الأسعار على الاقتصاد الأمريكي والعالمي:
1. الولايات المتحدة
-
منتجو النفط الصخري: انخفضت أرباحهم، خاصة الشركات الصغيرة التي تعتمد على أسعار مرتفعة لتغطية التكاليف المرتفعة نسبيًا للإنتاج.
-
المستهلكون: استفادوا من انخفاض أسعار البنزين والطاقة، مما رفع من القدرة الشرائية للأسر.
-
الأسواق المالية: تراجعت أسهم شركات الطاقة في وول ستريت، لكن قطاعات أخرى مثل الطيران والصناعات الثقيلة استفادت.
2. الدول المنتجة للنفط
-
اقتصادات الخليج وروسيا: واجهت ضغوطًا كبيرة على ميزانياتها نتيجة تراجع العائدات النفطية، مما اضطر بعضها إلى السحب من الاحتياطيات أو فرض إجراءات تقشفية.
-
إيران وفنزويلا: ازداد الضغط الاقتصادي والسياسي عليها، خاصة مع التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات إضافية.
3. الاقتصاد العالمي
-
التراجع في أسعار الطاقة أسهم في تخفيض معدلات التضخم في كثير من الدول المستهلكة، مما أعطى للبنوك المركزية مجالًا لمواصلة السياسات التيسيرية.
-
ساهم انخفاض أسعار النفط في تخفيف تكلفة النقل والإنتاج الصناعي، لكنه في المقابل أضعف الاستثمارات في قطاع الطاقة حول العالم.
قراءة في توجهات سياسة ترامب الطاقوية:
رفع ترامب شعار “الهيمنة الأمريكية في مجال الطاقة”، ووعد بتحويل الولايات المتحدة إلى “مصدّر رئيسي للطاقة”. ومن أبرز ملامح هذه السياسة:
-
تعزيز التنقيب عن النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية والمياه العميقة.
-
إعادة النظر في اتفاقيات المناخ مثل اتفاقية باريس (وقد انسحب منها لاحقًا).
-
دعم الفحم والطاقة التقليدية مقابل الطاقات المتجددة.
هذه التوجهات خلقت موجة من الاستثمارات قصيرة الأجل، لكنها أدت أيضًا إلى زعزعة استقرار سوق النفط عالميًا في المدى القصير بسبب عدم التوازن بين العرض والطلب.
ختاما،انخفاض أسعار النفط بأكثر من 20% خلال أول 100 يوم من رئاسة ترامب كشف عن هشاشة التوازن في سوق النفط العالمية، ومدى تأثرها بالسياسات الأمريكية، سواء على صعيد الإنتاج أو التجارة أو المناخ. وبينما استفادت بعض الدول والقطاعات من هذا الانخفاض، دفعت دول أخرى – خاصة المعتمدة على النفط – الثمن باهظًا.
التعليقات